samedi 12 février 2011

عهد السفاهة اللامحدودة



عهد السفاهة اللامحدودة
من المعلوم أن السفاهة ليس أبلغ منها دلالة على نفسها. فالتلاعب بالدستور التونسي -رغم ما بهذا الدستور من علل- وصل إلى الحد الذي بات معه بالوسع القول إن من يحكم تونس اليوم يمثل السفاهة بعينها السفاهة التي تتشبث بالبقاء مهما كانت الوسائل. فالعبث والتخبط اللامحدودان -ليس في مستوى الممارسة فحسب بل وكذلك في مستوى محاولات التأسيس القانوني الذي يستندون إليه- أصبحا العلامتين الأساسيتين الدالتين على سفاهة من يريد إخراج الثورة عن مسارها نحو التأسيس الجديد للجمهورية الحرة والديموقراطية والعادلة والأصيلة للاستعاضة عنها بالترقيع الدستوري.
وما ذلك إلا لعلم أصحاب الحلف الرباعي (بقايا النظام واليسار المتبرجز وبعض المتنكرين لما يعلنون عنه من صرامة في المعارضة وبعض قيادات الاتحاد) المزين بشهود الزور من النخب الراقصة على كل الحبال بأن الجميع قد بات متأكدا من عدم شرعية هذا التطعيم المحسوب لبقايا النظام ببقايا الاتحاد والمعارضات التي تستعد لمقاسمة هذه البقايا مضاف إليهم شهود الزور من النخب التي رقصت على كل الحبال بزعم ريادة علمية لا تساوي صفرا بمقياس الحصيلة التي تقدر بها الإسهامات العلمية في ما يدعونه من اختصاص.
1-فقد بدأوا تخبطهم بالعبث مباشرة يوم فرار رأس النظام إذ قالوا إن رئيس الحكومة سيتولى رئاسة الدولة على أساس الفصل 56.
2-ولما فضح تحايلهم أحد أساتذة القانون بأن ذلك لا يستقيم بمقتضى الشكل لعدم توفر شروط التكليف الشكلية من الرئيس المخلوع انتقلوا إلى الفصل 57.
3-ورغم أن الأمر لم يستقم لهم وأنه لا يمكن أن يمكِّن من تحقيق ما يسعون إليه لما يحفه من شروط لا توفر لهم الوقت الكافي لتحقيق التحيل الذي بيتوا عليه فإنهم سكتوا نهائيا عن الأساس الدستوري المُستنَد إليه في حكمهم المؤقت. وغاب عنهم أن سكوتهم يعني أنهم لا يزالون مستندين إلى هذا النص:؛ اللهم إلا إذا كانوا يطبقون السند الثوري لتحقيق أداف الثورة المضادة: لا تقيد بالقانون الموجود إلا في حدود ما يمكن من التحيل وليس للانتقال إلى البديل الشرعي.
4-وإذن فالرئيس لا يزال الرئيس المؤقت ومن ثم فهو محكوم بأجل لا يمكنه تجاوزه وبمهمة محددة لا يمكنه القيام بغيرها. لكنهم شرعوا في اعتبار الرئيس المؤقت رئيسا بأتم معنى الكلمة متناسين وصف "المؤقتية" ومحاولين تمرير اعتبار ما يحق للرئيس "تو كور" غير المؤقت يصح للرئيس المؤقت ليعطوه حق التشريع بالمراسيم. وفي الحقيقة فإن ضمير سلوكهم هو الاحتجاج الممكن بأن الفقرة المتعلقة بذلك من الفصل 28 لم تستثن الرئيس المؤقت صراحة مما تخوله للرئيس.
5- وذلك هو مكمن السفاهة الدالة على نفسها دلالة ليس أفصح منها: فإذا كانت مهام الرئيس المؤقت محددة بصورة حصرية فإن الاستثناء من فقرة التشريع بالمراسيم مستثناة بالطبع. لكنهم لم يكتفوا بهذه السفاهة بل أضافوا إليها تحويل هذه الفقرة إلى ما يشبه حصر دور المجلسين التشريعيين غير الشرعيين لتشريع ما هو أكثر عدم شرعية منهما حصروا دوره في ما يشبه دوائر تحرير المحاضر والموافقة على التشريع المراسيمي غير المحدود بخلاف ما تقتضيه الفقرة المتعلقة به. ومن ثم وبصورة بينة لكل ذي بصيرة أنهم في الحقيقة يريدون أن يمرروا مضمون الفصل 46 التالي: "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها بحيث يتعذر السير العادي لدواليب الدولة اتخاذ ما تحتّمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة الوزير الأول ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين. ويوجه في ذلك بيانا إلى الشعب".


تحت خدعة الفقرة التالية من الفصل 28 من الدستور لكأن الرئيس المؤقت له كل صلاحيات الرئيس غير المؤقت: ""ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين أن يفوضا لمدة محدودة ولغرض معين إلى رئيس الجمهورية اتخاذ مراسيم يعرضها حسب الحالة على مصادقة مجلس النواب أو المجلسين , وذلك عند انقضاء المدة المذكورة. وتلك هي السفاهة بعينها بل هي عين الاستغباء والاستبلاه لكل أبناء الوطن كما يبين هذا التخبط المفضوح:


1-فرئيس مؤقت محدودة مدة رئاسته المؤقتة ب60 يوما على أقصى تقدير لا يمكن تجاوزها بأي حال.
2-ورئاسة مؤقتة مقتصرة على مهمة وحيدة هي انتخاب رئيس بما يحدده الدستور الحالي.
3-لا يمكن أن يحولوها باستبلاه الشعب بحمقهم البين هو رئاسة "الراستوراسيون" التي تحالف على تحقيقها الحلف الرباعي الذي سبق لنا أن وصفناه بتزكية من نخب البلاط الفرنكوفيلي. والغريب أن مستشارهم السياسي البارع كان هو نفسه مستشار النخبة السياسية التي آل بها سوء التدبير في ثلاث مرات إلى شبه القضاء على كل حياة سياسية: في أزمة التعاضد وفي أزمة ما يسمى بالتحول وفي الأزمة الحالية كما علمت ممن التقاه في دهاليز الحكم ملجأ أخيرا للعاجزين من حكامنا لكأنهم بحاجة ألصمم والبكم ليثبتوا أنهم لا يفقهون.
4-وهم يعلمون جيد العلم لكونه مبتغاهم الأساسي أن ذلك ينافي أبسط مطالب الثورة التي صارت تمثل خطرا عليهم لأنهم تعرف أنهم أذيال النظام يسعون إلى "الراستوراسيون" واعتبار الثورة مجرد قوسين ينبغي غلقهما.
5-والخطر الداهم الذي يشير إليه الفصل 46 في هذه الحالة هو سعي الثورة إلى بناء الدولة من رأس بوضع دستور جديد من خلال انتخاب مجلس تأسيسي يمثل كل أطياف الشعب التونسي كل بحسب وزنه الحقيقي في تحديد السياسات التي ترضي الشعب المتأصل في قيم تراثه الحي وقيم الحداثة المتزنة.
6-ولما كان هذا الرئيس لا يستطيع حل مجلس النواب بنص التكليف فضلا عن حاجتهم إليه ليمرروا ما يحولون به دون تحقيق أهداف الثورة فإنهم عطلوه بأخذ صلاحياته الدستورية مع الإبقاء عليه من أجل الإيهام بالشرعية.
7-فإن الرئيس المؤقت قد أصبح مشرعا بالمراسيم دون حد ومن ثم فقد بات "تبزيع" مكتسبات الثورة على يده اسما على مسمى.
8-لذلك فهم لم يقتصروا على ما يتضمنه التشريع المراسيمي العادي ولم يحصروه بمهمة معينة ومحدودة
9-بل هو شبه تعطيل كامل للمجلس إذ هم يقصدون في الحقيقة مضمون الفصل 46 لأن البلاد حسب رأيهم في خطر داهم
10-ولما كان الخطر الداهم الوحيد هو بقاؤهم بهذا الترقيع الدستوري المفضوح فإن السفاهة بلغت حدا لم يعد معه من حل إلا أن تنظم الثورة نفسها لاعتصام دائم ثان ممن ممثلي كل جهات البلاد وكل سكان العاصمة حتى يتم انتخاب مجلس تأسيسي بمنطق ثوري وليس بمنطق دستور لا شرعية له: والمنطق الثوري يقول إن الثورة هي التي تحدد من تطمئن إليه ليسير البلاد خلال المرحلة الانتقالية بشرطين لا ثالث لهما في كل نظام سياسي فاعل:
1-أن يكون شرعيا أي حاصلا على الرضا الجمعي الذي يمثله هذا الحضور المكثف لرافضي هذه السفاهات التي بدأت حتى قبل أن يرحل رأس النظام بين أعضاء الحلف الرباعي المزين بشهود الزور من نخب البلاط السياسي الذي تغلب عليه نكهة حزب فرنسا.
2-وأن يكون بالقوة قادرا على أن يأمر فيطاع لكونه عند الحاجة بشرعيته وقوته قادرا على التصدي لكل عصيان غير شرعي. ومعنى ذلك أن الأحزاب والتنظيمات التي بوسعها قيادة الجماهير هي التي تمد الشرعية بالقوة فتكون قوة شرعية تأمر فتطاع.
ذلك أن ما يعتبره الحلف الرباعي المزين بشهود الزور خطرا داهما أعني الثورة هو عين الأمن لأنه سعي إلى استعادة الدولة إلى نهجها السوي بالطرق الشرعية الوحيدة: انتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور توافقي بين كل مكونات المجتمع التونسي التي تأخذ بعين:
الاعتبار مطالب الثورة
ومقومات هوية الشعب
حتى تكون تونس دولة حرة مستقلة دينها الإسلام ولغتها العربي. ذلك هو الهدف الرئيس من الثورة أعني تحريرنا من النظام المافياوي واستعادة النظام القانوني الذي تقتضيه الحياة السوية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire