samedi 5 février 2011

سُرقت الثورة فكيف السبيل لاستردادها

في مقال سابق قلت إن الثورة الحقيقية هي الثورة المستمرة ، هي الثورة التي تجمع بين الهدم والبناء فليس من المقبول عقلا ولا من الجائز شرعا أن نقوم بهدم بيت لأنّه مهدد بالسقوط على أهله ثم نأتي بنفس المهندس الذي بناه و نطلب منه أن يعيد بناءه ونحن نعلم أنّه لا يفقه شيئا في علم الهندسة. إنه العبث بعينه. عندما انطلقت الثورة التونسية ركزت في بداياتها على بعض مظاهر الحيف الاجتماعي والفساد السياسي لأنه لم يكن من الممكن في ذلك الوقت غير البدء بالقاسم المشترك بين أغلب الرافضين لسياسات السلطة ثم قامت بعد ذلك بالرفع شيئا فشيئا من سقف طموحاتها إلى أن تمكنت من إسقاط رمز السلطة وأجبرته وأزلامه على الفرار في ظرف وجيز وبأقل ما يمكن من الخسائر البشرية والمادية، نقول ذلك قياسا إلى الثورات التي عرفتها الإنسانية في تاريخها الطويل وإلا فإن قتل إنسان واحد يطالب بالكرامة والحرية لأبناء شعبه هو في حد ذاته جريمة لا تغتفر. بذلك كانت الثورة التونسية استثناء بكل المقاييس ولكن الآن وبعد أن تمكّن الحزب الحاكم من استعادة زمام المبادرة و وتأمين عملية إعادة انتشار ذكية لكوادره في كل مستويات السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية مستغلا بذلك مقولة الخشية من الفراغ الدستوري وهي حق أريد به باطل، فإن هناك خشية حقيقية من أن تحقق تونس استثناء آخر ولكن هذه المرة استثناء سلبيا بامتياز. ستكون هذه الثورة الوحيدة في تاريخ الإنسانية التي وجدت نفسها مستثناة من عملية إعادة البناء بل إنها وضعت من جديد الحزب الذي أشاع الفساد في البلاد وثارت عليه في كل مستويات السلطة. أجهزة الإعلام نفسها التي كانت تسبّح بحمد الطاغية صارت اليوم تدافع عن الثورة بل تحذر من سرقتها، الحزب الحاكم يؤخر تحت الضغط صفه الأول ثم يدفع بفريق الدرجة الثانية إلى الواجهة، وزير الداخلية يتظاهر بطلب النجدة من الشعب ليحميه من القوى الأمنية المناهضة له بل وصل الأمر به إلى وصف الهجوم الذي وقع عليه في مكتبه بالمؤامرة المدبّرة ضد الدولة والتي كانت حصيلتها فقدانه لمعطفه ونظارته و هاتفه الخلوي. لماذا لم تقدم لنا الوزارة صور هجوم هذا العدد الغفير من قوى الأمن، لو مرت ذبابة بجانب وزارة الداخلية لتم تصويرها. وقبل ذلك يتم الهجوم على المعتصمين في القصبة ولا أحد يعلم من الذي أعطى الأمر بذلك. ثم تأتي تعيينات الولاة الجدد ومدراء الأمن لتؤكد لنا أن العقل المدبر لكل هذه الفصول من المسرحية هو العقل المحرك لكل خيوط منظومة الاستبداد. وأصبحت الجملة التي نسمعها عند كل مشهد يذكرنا بالسلطة السابقة "سنفتح تحقيقا في ذلك" من سيحقق مع من؟ ملفات يعلن دائما عن فتحها ولا أحد يعلم إذا كان التحقيق فيها بدأ بالفعل أم لا، فضلا عن نتائج هذا التحقيق المزعوم.
يجب أن يعلم شباب الانتفاضة وشعب الثورة أننا ربحنا معركة القضاء على رمز الاستبداد ولكن لنقولها بشجاعة و بدون مواربة أنّنا خسرنا الجولة الأولى من معركتنا مع منظومة الاستبداد. وإذا عطلنا فينا كل أسباب النباهة وأطلنا العنان للإستحمار والغفلة فإننا سنصحو من جديد على نظام مستبد ولكنه يردد بإتقان كل الشعارات الثورية. ما العمل إذا؟
من طبيعة النظام المستبد أن يعمم الخوف ويختزل هموم المواطن في مشكلاته اليومية فلا يدري من يحكمه ولا يسعى خوفا ورهبة إلى التعرف على أدائه المهني وتجاربه في التسيير الإداري ولذلك بمجرد أن تمت إزاحة وزراء السيادة من التجمع وأعلنت التشكيلة الجديدة للحكومة تبادل المهتمون بالشأن السياسي من الناشطين على الساحة المكالمات الهاتفية ليتساءلوا فبما بينهم بحثا عن هوية الوزراء الجدد و الأمر نفسه حصل عندما تم تعيين مدراء الأمن والولاة الجدد وقلما وجدوا من بينهم من له معرفة بهذه الوجوه الجديدة التي ستسير البلاد في المرحلة الانتقالية. فما بالك بالمواطنين العاديين المغيبين عن كل شئ، بلغة أخرى معرفة التونسي للفاعلين السياسيين والإداريين محدودة جدا إذا لم تكن معدومة ولذلك فإنّه من الضروري تكوين هيئة وطنية من الشرفاء الحريصين فعلا على حماية الثورة وصيانة الثروة. من المفروض طبعا أن تكون هذه الهيئة ممثلة لكل التيارات السياسية والمنظمات والجمعيات الوطنية ولكن لنكن واضحين، أما الأحزاب فإن صغيرها لا يكاد يصدق، حقائب وزارية أكبر من حجمه " ارتموا عليها ارتماء الذباب على بقايا العسل الذي تركه النظام البائد" بتعبير أستاذنا أبويعرب المرزوقي، أما كبيرها فإنه مشغول بتضميد جراحاته ومن حقه ألم تُصب عليه نار جهنم، تعذيبا وسجنا وإذلالا؟ فلعل ظروفه قلبت الأوليات عنده. وتوافق المعارضة بسياسييها ونقابييها ومحامييها على إستراتيجية عمل أمر ضروري ولكنه للأسف بعيد المنال على الأقل في الوقت الراهن. فلم يبق أمام هيئة حماية الثورة إلا أن تنطلق بالحد الأدنى من الشرفاء وتكون مهامها كالآتي:
- توفير المعلومة الصحيحة لأن هذا السيل من المعلومات المتدفقة من النات و في إطار غياب إستراتيجية عمل واضحة قد يؤدي إلى تشتيت الذهن وفقدان التركيز على المسائل المهمة.
- التعريف الموضوعي والنزيه بالمسئولين الجدد في كل المستويات ودعوة المواطنين إلى عدم السماح لمن ثبت تورطه في الفساد بتولّي مهامه والضغط على الحكومة لتغييره.
- تتبع كل محاولات الإقصاء لأسباب سياسية أو نقابية وفضحها ودعوة المواطنين للتصدي لها.
- التفكير بجدية في طريقة حفظ الوثائق المتعلقة بالفترة الماضية لأن الذين نهبوا ثروة البلاد يسعون الآن جاهدين إلى نهب كل الوثائق التي تدينهم، ليس الغرض من ذلك المحاسبة فذلك أمر سيأتي النظر فيه لاحقا ولكن الهدف هو توعية المواطن وترشيده وإمداده بالمعلومات التي تجعله دائم التيقظ.
- اقتراح شخصيات وطنية معروفة بخبرتها ونزاهتها للمشاركة في اللجان الثلاث التي كونتها الحكومة المؤقتة بل الضغط عليها من أجل ضمّها لهذه
اللجان