mercredi 2 février 2011

ثورة الكرامة في الوطن العربي


لئلا يفقد الكلام على ثورة معناه أبو يعرب المرزوقي إن مواصلة الكلام العام على الديموقراطية والحرية دون الكلام على شروطهما إلخ... من الشعارات ليس هو في الحقيقة إلا ملهاة تبعدنا عن الأهداف الحقيقية للثورة. فإذا كانت الثورة حقا ثورة شعب يريد أن يحكم نفسه بنفسه وأن يكون حرا بالفعل لا أن يتغني بالحرية كما يتفوه بها أصحاب الدعاية المؤبدة للتبعيةدعاية الكمبارس في الساحة السياسة والإعلامية التونسية والمصرية خاصة والعربية عامة فينبغي أن نضع السؤال المصيري التالي وأن نجيب الجواب المناسب: وهذا السؤال المصيري هو: هل ثرنا فعلا لنتحرر ونحكم أنفسنا بأنفسنا أم إننا لسنا إلا لاعبين غافلين في مسرحية هدفها مساعدة أمريكا في مصر وفرنسا في تونس على استبدال ما استنفذت خدماتهم بمن يكون أكثر قدرة على خدمتهما بهذه الشعارات الجديدة؟ أيكفي أن يجد بعضنا عملا في السياحة وأن يوظف بعض ذوي الشهادات وأن يعين البعض من الجهات في ظاهر المسؤوليات حتى نكون قد حققنا أهداف ثورتنا ؟ إذا بقينا ضحايا لتلاعب النخب التي أعدوها لأداء هذا الدور مساعدة لاستبدال قيادات التبعية باسم التحرر والديموقراطية فنحن لم نفعل شيئا يستحق اسم الثورة ولن يكون ما قمنا به إلا مجرد فزة بدوية من أجل لقمة العيش. أما إذا أدركنا شروط التحرر ما هي وعملنا على تعبيد الطريق الموصلة إليها فنحن أهل لأن نعتبر أنفسنا قد قمنا بثورة ذات دلالة تاريخية. ينبغي أن تكون ثورتنا شروعا فعليا في الثورة الفعلية على النظام الذي لا يمكن أن يسير إلا بالقيادة المافوية لكونه نظام التبعية بالجوهر. إنه نظام مشروط بمافيات البلاد التابعة لمافيات العولمة التي توزع العمل والإنتاج والخدمات بصورة تجعل التبعية البنيوية للاستعمار غير المباشر النظام المافوي الكوني الذي يسير قدما في جعلنا مجتمعات خدمات تابعة توفر الراحة والاستجمام للمجتمعات المتقدمة تقريبا وهو شكل جديد من الهنود الحمر أو سكان استراليا مع تغير الخدمات من الرقص البدائي إلى الترفيه الفندقي بالنسبة إلى الغرب الأدنى (أوروبا) والأقصى (الولايات المتحدة). فنكون بذلك مسهمين ليس في تحرير ذواتنا فحسب بل العالم كله من النظام المافوي العالمي. وهذه الشروط بينه وسأذكر أهمها بالنسبة إلى مادة المجتمع المادية والرمزية أعني الاقتصاد والثقافة: فهل يمكن للتونسيين مثلا أن يصبحوا أحرارا يحكمون أنفسهم إذا واصلت الثورة نفس النظام الاقتصادي المستند إلى جعل بلادنا تابعة إنتاجا واستهلاكا لفضلات الاقتصاد الأوروبي؟ فمن حيث الإنتاج: بات محكوما علينا أن ننتج الخدمات لا شروط البقاء المستقل. فإذا كان اقتصادنا الخدماتي همه توفير شروط الراحة والاستجمام للسواح الغربيين فمعنى ذلك أنه علينا أن نتخلق بأخلاق العبيد التابعين أبد الدهر العبيد الذي لا يحق لهم أن يثوروا. ذلك أن أي حركة اجتماعية أو سياسية ستعتبر قضاء على هذا النظام المعاشي التابع لكون المس بالنظام والهدوء والاستقرار يؤدي إلى بطالة الآلاف من خدم السواح وتوقف مصدر الرزق التابع بل حتى لو ظهر أدنى مرض حقا أو دعاية أو لم ترض عنا الدولة التي تتحكم في شركات الأسفار فإننا سنكون محكوما علينا بالجوع إذا لم نرضخ لمطالبها. ومن حيث الاستهلاك: بات محكوما علينا أن نئد كل شروط إنتاج محلي مستقل لأن ما نستهلكه بما في ذلك الغذاء ينبغي استيراده بما في ذلك البذور لأنها باتت من المستوردات فضلا عن الصناعات المقصورة على العقود التابعة لما تحتاجه صناعات أوروبا من قطع غيار أو صناعات دنيا تجاوزوها إلى غيرها الذي يستتبعنا إلى غير غاية. أما الثقافة فحدث ولا حرج: فالثقافة الشعبية صارت الفلكور البدائي (وهو بداية التهنيد الأحمر لمجتمعاتنا حتى يستمتع السائح بماضي البشرية) والثقافة العالمة لم يبق منها إلا ما يرطن بفرنسية عرجاء في لحظة بات أصحاب الفرنسية أنفسهم أميل للإنجليزية في كتاباتهم العلمية. فهل سنواصل قتل لغتنا القومية واعتمدنا سياسة لا تكتفي بقتلها في مجال العلوم والإبداع من خلال فرنسة التعليم الجامعي والبحث العلمي بل هي تجاوزت ذلك إلى قتل العربية الحاسم في الحياة العامة من خلال سياسة إعلامية تجعل لغة الشعب تتحول إلى لهجة مالطية يختلط فيها الحابل بالنابل كما في ما يسمى بإذاعة الشباب والتفلزات المستهترة التي لا تستعمل إلا لغة السوقة. ولسنا بحاجة إلى الإطالة في مجالي السياسة والتربية أعني في بعدي صورة المجتمع الحقيقية بعديها المادي والرمزي. فهما قد باتتا رهينتي بقايا اليسار الثائر على الظلم بقاياه التي خانت قيم اليسار الاجتماعية وبقايا اليمين الثائر على الجهل بقاياه التي خانت قيم اليمين التنويرية بحيث اجتمعت عليهما وفيهما خيانتان للقيم جميعها فبات مجرد أداة إيديولوجية تحكم بمنطق ستالين وتعمم الجهل العلمي والجهالة الخلقية تمهيدا لنشر المدارس الخاصة لأبناء من يزعمون أنفسهم من الخاصة وجعل المدرسة مجرد محتشد للفقراء وتعميم الأمية. وهذا الداء سبقتنا إليه مصر. ونحن إليه ساعون بسرعة البرق: النوادي والمدارس الخاصة لمن باعوا البلاد والعباد والبقية توابع للظلم والقهر الذي دفع البوغزيزي لحرق نفسه في ذروة الغضب العاجز. والسؤال هو: هل سنبقى في الغضب العاجز أم سنحوله إلى ثورة تحريرية حقيقية تبدأ بتخليص الساحة من هذين الضربين من الخيانة بتحقيق شروط الحرية والديموقراطية بدل الكلام عليهما والسعي إلى بدائل وهمية منهما بالمساحيق الدعائية ؟ فيا أهل التعليم نساء ورجالا ويا شباب تونس وشاباتها لا يغرنكم الكلام على الترضيات التي ستقدم لكم. لا تنسوا أن أهل التعليم نساءه ورجاله لم يستهن بهم في نظامنا الذي كان مفخرة الوطن العربي فبات في ذيل أنظمة العالم الثالث إلا لما بات هذا النظام لعبة بين أيدي هاتين الحثالتين من الخونة لقيم اليسار واليمين الخونة لقيم المعرفة والأخلاق والذين وضع مصير الثورة بين أيديهم في هذه اللجان الثلاثة وهذه الحكومة المزعومة حكومة مؤقتة للوحدة الوطنية وهي في الحقيقة حكومة مؤبدة للفرقة الوطنية.